والاستئذان هو طلب الإذن، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:27].
خاطبهم بوصف الإيمان ابتغاء الامتثال، فهو سبحانه يشرّع لهم ما يُسعدهم في الدّنيا والآخرة، ويحقّق لهم الحياة الطيّبة كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24].
وفي معنى الإضافة في قوله ( بُيُوتِكُمْ ) أي: الّتي تسكنونها إمّا:
أ) بالملك، وهو الغالب، فالله يأمر العباد ألاّ يدخلوا بيوتا ليست في ملكهم.
ب) أو بالإجارة والإعارة، فالمؤجّر والمعير وإن كان يملك البيت، فإنّه لا يحلّ له دخول بيتٍ لا يسكنه، بل يجب عليه الاستئذان.
ومعنى قوله تعالى:{حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أي: تستأذنوا، واختلفوا في اشتقاق هذه الكلمة على ثلاثة أقوال:
أ) من الأُنس الذي هو ضدّ الاستيحاش، فقد نقل ابن حجر عن الطّحاوي أنّ الاستئناس هو الاستئذان بلغة أهل اليمن.
قال الشّنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان":" ووجه ذلك أنّ قارع الباب يستوحش أيُؤذن له أم لا ؟ فإن أُذن له استأنس، فعبّر باللاّزم عن الملزوم، ويؤيّده قوله تعالى بعد: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} ".
وقال الطّبري رحمه الله: حتّى تُؤنسوا أهل البيت ويحصل لكم الأنس.
ب) من الإنس: أي حتّى تعلموا من فيها من الإنس.
وهذا القول ضعّفه أهل العلم، لأنّ المطلوب هو أخذ الإذن لا مجرّد معرفة من فيها.
ج) من الإيناس، أي: العلم، حتّى تستعلموا وتستكشفوا الحال؛ لذلك قال مجاهد رحمه الله: حتّى تستأنسوا قال: تنحنحوا أو تنخّموا.
ومن الفوائد والأحكام المتعلّقة بهذا الأدب الرّفيع:
- الفائدة الأولى: هذا الحكم عامّ.
فهذا الحكم لا يخصّ الأجانب فحسب، بل يشمل المحارم أيضا، وفي ذلك آثار عدّة، منها:
ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:" عليكم أن تستأذنوا على أمّهاتكم وأخواتكم ".
وروى البخاري في "الأدب المفرد" أنّ رجلا سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أأستأذن على أمّي ؟ فقال: " ما على جميع أحيانها تريد أن تراها ".
وروى ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عبّاس رضي الله عنه: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال: نعم. فرددت عليه ليرخّص لي فأبى، فقال: أتحبّ أن تراها عُريانة ؟ قلت: لا ! قال: فاستأذِنْ. قال: فراجعته أيضا، فقال: أتحبّ أن تطيع الله ؟ قال: قلت: نعم ! قال: فاستأذِن.
وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنه لا يسمح لأحد أن يدخل عليه إلاّ باستئذان.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: إن لم يستأذن على محارمه رأى ما يكره.
وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: دخل أبي على أمّي فتبعْتُه، فضرب في صدري، وقال: أتدخل بغير استئذان ؟!
وقال ابن جريج: أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال: ما من امرأة أكرهَ إليّ أن أرى عورتها من ذات محرم ! قال: وكان يشدّد في ذلك.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه يقول: عليكم الإذن على أمّهاتكم.
وقد أورد هذه الآثار ابن حجر في "فتح الباري" وقال:" أسانيدها صحيحة ".
وهي تفيد الوجوب، قال الشّنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان":" الأمر الّذي لا ينبغي العدولُ عنه الاستئذان على المحارم ".
- الفائدة الثّانية: هل يستأذِن على الزّوجة.
أمّا زوجته فلا يجب عليه الاستئذان عليها؛ روى الطّبري عن ابن جريج: قلت لعطاء أيستأذن الرّجل على امرأته ؟ قال: لا.
قال ابن كثير رحمه الله:" وهذا محمول على عدم الوجوب، وإلاّ فالأولى أن يُعلِمها بدخوله ولا يفاجئها به؛ لاحتمال أن تكون على هيئةٍ لا تحبّ أن يراها عليها ".
لذلك روى الطّبري عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح، وبزق، كراهة أن يهجم منّا على أمر يكرهه. قال ابن كثير:" إسناده صحيح ".
وروى ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال:" كان عبد الله إذا دخل الدّار استأنس: تكلّم ورفع صوته".
لذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" فإذا طرأ ما يُوجب الاستئذان وجب، قال العلماء: كما لو كان في البيت محارمه ".
وربّما أيضا كان في البيت من يجب عليها التستّر منه.
- الفائدة الثّالثة: أين يقف المستأذن.
فينبغي للمستأذن أن يقف عن يمين الباب، أو شماله، ولا يستقبله، فإنّما جعل الاستئذان من أجل البصر.
فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنّ رجلا اطّلع من جحر في دار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والنبيّ يحكّ رأسه بالمِدرى فقال: (( لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ قِبَلِ الأََبْصَارِ )).
وفي سنن التّرمذي عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ كَشَفَ سِتْراً فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ فِي البَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ، فَقَدْ أتَى حَدّاً لاَ يَحِلُّ لَهُ أنْ يَأْتِيَهُ، وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ اسْتَقْبَلَهُ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ، مَا عَيَّرْتُ عَلَيْهِ )).
لذلك كان من هديه صلّى الله عليه وسلّم في الاستئذان ما رواه أبو داود عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: ( كَان رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلْ البَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ، أَوْ الأَيْسَرِ، وَيَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ.
- الفائدة الرّابعة: السّلام قبل الكلام.
فقد قال الله تعالى:{حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}. وظاهر الآية أنّ الاستئذان قبل السّلام، لكنَّ المقرّر أنّ الواو لا تفيد التّرتيب، وإنّما هي لمطلق الجمع والتّشريك.
قال النّووي رحمه الله:" دلّت السنّة الصّحيحة ومال إليه المحقّقون وقالوا به أنّ السّلام مقدّم على الاستئذان "، وقال في "أضواء البيان":" وممّا دلّت عليه السنّة والأحاديث الصّحيحة أنّ السّلام يقدّم على الكلام، والواو لا تفيد التّرتيب ".
ومن هذه الأحاديث:
- ما رواه التّرمذي وأبو داود - وأصل الحديث في البخاري - عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: اسْتَأْذَنَ أَبُو موسَى علَى عُمَرَ، فقالَ: السّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ ؟
قَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ ؟
قَالَ عُمَرُ: ثِنْتَانِ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ ؟
فَقَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ. ثُمَّ رَجَعَ، فقالَ عمَرُ لِلبوَّابِ: مَا صَنَعَ ؟ قال: رَجَعَ ! قال: عَلَيَّ بِهِ.
فلمَّا جاءهُ قَالَ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتَ ؟ قال: السُّنَّةُ.
قَال: آلسُّنَّةُ ؟! واللهِ لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ !
قال: فَأَتَانَا، وَنَحْنُ رُفْقَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فقالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟ أَلَمْ يقُلْ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ ))؟
قال أبو سعيدٍ: ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي إليْهِ، فقلتُ: فَمَا أَصَابَكَ في هذا مِنْ الْعُقُوبَةِ فَأَنَا شَرِيكُكَ. قال: فَأَتَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فقالَ عمَرُ: مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِهَذَا.
- وروى التّرمذي وأبو داود عن كَلَدَةَ بنِ حَنْبَلٍ قال: دَخَلْتُ عَلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وَلَمْ أُسَلِّمْ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ، فقالَ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( ارْجِعْ، فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ ؟ )).
- وروى أبو داود عن رِبْعِيٍّ بن خراش قال: حدّثَنَا رجلٌ من بنِي عامِرٍ أنّهُ اسْتَأْذَنَ على النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وهوَ في بيْتٍ، فقال: أَألِجُ ؟ فقالَ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم لخَادِمِهِ: (( اخْرُجْ إِلى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ ؟ ))
- وروى أبو داود عن عمر أنّه أتى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في مشرُبة له فقال: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَدْخُلُ عُمَرُ ؟.
- وروى الإمام أحمد عن زيد بن أسلم قال: أرسلني أبِي إلى ابن عمر فقلت: أأدخل ؟ فعرف صوتي فقال: أيْ بُنّيّ، إذا أتيت إلى قوم فقل: السّلام عليكم، فإن ردّوا عليك فقل: أأدخل ؟.
الفائدة الخامسة: الإفصاح عن الاسم.
فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم: عن جابر قال: أتيت النبيّ في دين عليّ فدققت الباب فقال: (( مَنْ ذَا ؟)) فقلت: أنا، فقال: (( أنا !؟ أنا !؟ )) كَأنَّه كَرِهَهَا.
لذلك بوّب البيهقي رحمه الله في "الآداب" (ص 85) بقوله:" باب كراهية قول المستأذن إذا قيل له: من ذا ؟ قال: أنا ".
ومن باب أولى أن يقول: افتَح افتَح !
الفائدة السّادسة: الاستئذان ثلاثا.
- وقد سبق ذكر قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ )).
- وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ (( كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا )).
فالأوّل فيه: إعلام لأهل البيت، والثّاني فيه: إمهالٌ لهم، والثّالث فيه: إعذار أو اعتذار: إعذار من الزّائر فقد أدّى الّذي عليه، واعتذار من أهل البيت.
قال العلماء: إنّه إذا ظنّ أنّه سمعه على الغالب، فيحرم عليه المعاودة، وإذا علم أنّه لم يسمعه فلهم ثلاثة أقوال ذكرها النّووي:
أ) أشهرها: أنّه ينصرف، ولا يعيد الاستئذان، وهو قول الجمهور، وبهذا جزم الشّنقيطي في "أضواء البيان".
وحجّته قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ )).
ب) والثّاني: يزيد فيه، وعزاه الحافظ إلى الإمام مالك، وهو الرّاجح عند الشّافعيّة.
ج) والثّالث: إن كان بلفظ الاستئذان المتقدّم ( أي: السّلام والاستئذان) لم يُعِدْه، وإن كان بغيره أعاده، ذكره المازري.
والصّواب: أنّه إذا أتى بالواجب، وطرق الباب على النّحو الذي يُسمع عادة، وجعل فاصلا بين المرّات ( لانشغال أهل البيت بقضاء حاجة، أو صلاة ) فهذا يرجع لأنّه أدّى الذي عليه، وإن قصّر في هذه الآداب فلا يُعيد من باب أولى عقوبةً له على فعله.
فالمسلم يزور ليُدخل السّرور، لا ليُدخل الشّرور، فإن لم يُؤذن له فلينصرفْ، وليدْعُ لصاحبه بالخير، ولِيحْتسبْ خُطاه عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة.
الفائدة السّابعة: تحريم النّظر إلى بيت المسلم دون إذنه.
وفي ذلك عدّة أحاديث:
- روى البخاري ومسلم عن أنَسٍ رضي الله عنه:" أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَامَ إِلَيْهِ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ ".
[المشقص: نصل السّهم إذا كان طويلا غير عريض. و(يختل): أي: يطعنه وهو غافل].
- وروى البخاري تعليقا ومسلم موصولا وغيرهما عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه عنْ النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ )).
- وفيهما أيضا عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال أبُو القَاسِمِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ )).
أي: لا إثم، ولا دية، ولا قصاص.
قال الشّنقيطي رحمه الله:" لا ينبغي أن يُختلف فيه لثبوته في السنّة، وما حكيْتُ أقوالَ من خالف في ذلك؛ لسقوطها عندنا ".
يقصد رحمه الله بمن خالف المالكيّة حيث قالوا: إنّ هذا الحديث خرج مخرج الزّجر والتّنفير من الفعل، قالوا: ولا يجوز مقابلة المعصية بمعصية مثلها، فكيف بما هو أشدّ منها ؟
والصّواب قول جمهور العلماء؛ لأنّ هذا لا يمكن أن يُسمّى معصية، لأنّه مأذون فيه، جعله الله عقوبة تلقاء انتهاك حدود الله، ونظيره رجم الزّاني المحصن وجلد البكر، وقطع يد السّارق ونحوها.
تنبيه: هذه الأحكام يُستثنى منها البيوت العامّة، كما هو حال الفنادق، والأماكن المعدّة للضّيافة العامّة، قال تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [النور:29]. قالوا: هي دور مصالح المسلمين العامّة.
والله أعلم، وأعزّ وأكرم.